العربية
Perspective

160 عام على اغتيال أبراهام لينكولن

كان ربيع عام 1865 في واشنطن معتدلًا على غير العادة. ارتفعت درجات الحرارة في 14 نيسان أبريل إلى 71 درجة فهرنهايت، وفقاً لقراءة المرصد البحري الأمريكي في ذلك اليوم. أزهرت أزهار الليلك والأزاليات والقرانيا والكرز المحلي في العاصمة، الأمر الذي أضفى أجواءً من البهجة على أجواء استسلام روبرت إي. لي في أبوماتوكس قبل خمسة أيام، الذي بدا وكأنه يبشر بنهاية أربع سنوات من الحرب الأهلية. جلبت تلك الأمسية الربيعية الدافئة الحشود إلى الشوارع. في تلك الليلة، حضر الرئيس أبراهام لينكولن والسيدة الأولى ماري تود لينكولن عرضاً للكوميديا ​​البريطانية 'ابن عمنا الأمريكي' في مسرح فورد.

قرابة الساعة 10:15 مساءً، دخل الممثل الشهير جون ويلكس بوث إلى مقصورة لينكولن الخاصة، وفي لحظة ضحك في المسرحية، أطلق النار من مسدسه على الرئيس من مسافة قدمين. اخترقت الرصاصة، التي قل قطرها قليلاً عن نصف بوصة، مؤخرة رأس لينكولن قرب أذنه اليسرى، ثم اخترقت دماغه، واستقرت فوق عينه اليمنى. وسط حالة من الفوضى في المسرح، هرب بوث، وصعدت الممثلة الإنجليزية لورا كين، التي لعبت دور البطولة في المسرحية تلك الليلة، إلى مقصورة الرئيس الخاصة. وهناك، احتضنت رأس لينكولن النازف في حضنها.

نُقل لينكولن إلى منزل بيترسن القريب، في وقت لاحق من تلك الليلة حيث اجتمع الجراحون وأعضاء مجلس الوزراء وابنه روبرت. بكى السيناتور تشارلز سومنر، المناهض للعبودية، الذي كاد أن يُقتل في قاعة مجلس الشيوخ الأمريكي على يد عضو كونغرس مؤيد للعبودية عام 1856، بكاءً خافتاً بجانب لينكولن. أُبعدت ماري تود لينكولن، التي كانت في حالة هستيرية من الحزن، عن الحضور.

لم يستعد لينكولن وعيه قط، وأُعلنت وفاته بعد الساعة 7:22 صباحاً بقليل في 15 أبريل 1865. قال وزير الحرب إدوين ستانتون: 'الآن أصبح خالداً في الذاكرة'.

قُرعت أجراس الكنائس في جميع أنحاء الولايات المتحدة، في 15 أبريل. أُزيلت الرايات الوطنية من المباني، واستُبدلت بأقمشة سوداء. ملأ اغتيال لينكولن يوم الجمعة العظيمة الحدث بموضوعات الاستشهاد والفداء بين سكان ظل تدينهم متمسكاً بمفاهيم العناية الإلهية. (عرف لينكولن ف هذا عن مواطنيه، وبالتالي كان بإمكانه أن يملأ خطاباته بالاستعارات التوراتية، على الرغم من أنه ما انضم إلى أي كنيسة قط، واعتقد صديقه المقرب وشريكه القانوني ويليام هيرندون أنه كان 'كافرا' وربوبياً، على غرار جيفرسون أو باين).

' صُلب من أجلنا!' هذا ما قاله أمريكي من أصل أفريقي مسن من يورك، بنسلفانيا، لصحيفة في عطلة عيد الفصح تلك.

كان الرجل العجوز مُحقاً. كان بوث، القاتل، عنصرياً أبيضاً اغتال لينكولن انتقاماً من تحرير العبيد. في 10 أبريل 1865، في اليوم التالي لاستسلام لي في أبوماتوكس وقبل أربعة أيام من الاغتيال، نزل حشدٌ مبتهج إلى حديقة البيت الأبيض، مُطالبين بإلقاء خطاب. استذكر المراسل نوح بروكس أن أضواء زينة عيد الميلاد في البيت الأبيض انعكست على الناس الذين انتشروا بعيداً في الظلام الدامس' في حين لاحت قامة الرئيس الطويلة النحيلة من نافذة المدخل .

أشارت شهادة بروكس إلى الثمن الذي رتبته الحرب على لينكولن. كان طول الرئيس ستة أقدام وأربع بوصات ووزنه 180 رطلاً عند توليه منصبه. لكنه عانى وقت اغتياله، ي من نقص في الوزن بمقدار 13 كيلوغراماً، وكان منحني القامة، شاحبا، تجاوز عمره 56 عاماً بكثير. بدا أنه تحمل شخصياً جزءاً كبيراً من المأساة الوطنية الكبرى للحرب الأهلية، بالإضافة إلى مأساته الشخصية إذ فقد طفله المفضل، ويلي، البالغ من العمر 11 عاماً، عام 1862، بسبب حمى التيفوئيد التي رُجح أنها انتقلت إليه من مصدر المياه الملوث للبيت الأبيض، جُر من قناة قريبة.

حرص لينكولن، في تصريحاته المرتجلة مساء العاشر من أبريل عام 1865، على شكر الجنرال يوليسيس س. غرانت وجيش بوتوماك على النصر، لكنه ركز على استعادة الاتحاد، مقترحاً المساواة في حق الاقتراع والحقوق المدنية للسود. من بين 'العدد الهائل من الوجوه' التي سبقت لينكولن، كان بوث، الذي قال لصديق: 'هذا يعني جنسية للزنجي الآن، والله، لن ينجو. هذا آخر خطاب سيلقيه على الإطلاق'.

كان بوث زعيم مؤامرة هدفت إلى إضعاف قيادة الاتحاد في محاولة يائسة لإنعاش حظوظ الكونفدرالية المتدهورة. أدت هجمات متزامنة في 14 أبريل إلى إصابة وزير الخارجية ويليام سيوارد وابنه بجروح خطيرة، في حين فشلت هجمات أخرى في قتل نائب الرئيس أندرو جونسون وغرانت الذي كان من المفترض أن يحضر إلى مسرح فورد مع لينكولن تلك الليلة، لكنه غيّر خططه في وقت سابق من اليوم.

قُتل بوث في مطاردة في 26 أبريل. وأُعدم أربعة متآمرين آخرين شنقاً في 7 تموز يوليو 1865.

قام بوث وحده بهذه المهمة، ولكن بحلول ذلك الوقت، كان لينكولن قد كسب العديد من الأعداء في الداخل وكذلك في أوروبا، حيث أثارت الثورة الأمريكية الثانية الرعب في محاكم القارة وقصورها، ولا تزال ذكريات ثورة عام 1848 حاضرة في الأذهان. ففي إنجلترا، التي تعاطفت طبقتها الحاكمة مع الكونفدرالية حتى كادت أن تُشعل فتيل الحرب، أعلنت صحيفة 'توري ستاندرد' أن لينكولن 'ما كان بطلاً في حياته، وبالتالي فإن الجريمة الفظيعة لا تجعله شهيداً'.

وكانت صحيفة 'بال مال غازيت' الشعبية أقرب إلى التعبير عن صوت الطبقة العاملة البريطانية: 'كان صديقنا المُخلص. ما ناصر قط أهداف تلك الأقلية الشريرة التي حاولت إثارة العداوة بين إنجلترا وأمريكا. ما قال أو كتب كلمةً مسيئةً عنا قط'.

جاءت أعمق رؤية لحياة لينكولن ووفاته من كارل ماركس، الذي تابع الحرب الأهلية الأمريكية عن كثب كمراسل لصحيفة 'دي برس' في فيينا، وكزعيم سياسي لجمعية العمال الدولية، الأممية الأولى. وبالنيابة عن الأخيرة، كتب ماركس الأسطر التالية، موجهًا إياها إلى أندرو جونسون، الذي سرعان ما كشف عن كونه معادياً للثورة وعدواً لدوداً للعبيد المحررين. كتب ماركس:

الآن، أخيراً، اكتشفنا أن (لينكولن) كان رجلاً، لا تُرهبه الشدائد، ولا يُسكره النجاح، مُصرّاً بعناد على هدفه العظيم، لا يُساوم عليه أبداً بالتسرع الأعمى، يُنمّي خطواته ببطء، لا يتراجع عنها قط، لا تُغريه موجة من التأييد الشعبي، لا يُثبط عزيمته أي تراجع في النبض الشعبي، يُلطف أفعاله الصارمة ببريق قلب طيب، يُنير المشاهد المظلمة بالعاطفة بابتسامة فكاهية، يُؤدي عمله الجبار بتواضع وبساطة كما يفعل حكام السماء الأشياء الصغيرة ببلاغة البهاء والدولة؛ بكلمة واحدة، واحد من الرجال النادرين الذين ينجحون في أن يصبحوا عظماء، دون أن يتوقفوا عن كونهم صالحين. هكذا، في الواقع، كان تواضع هذا الرجل العظيم والصالح، لدرجة أن العالم لم يكتشفه بطلاً إلا بعد أن سقط شهيداً.

شاهد أكثر من سبعة ملايين شخص، أي أكثر من ثلث سكان الولايات الشمالية، موكب جنازة لينكولن على طول رحلته بالسكك الحديدية التي امتدت لمسافة 1654 ميلاً من واشنطن العاصمة إلى سبرينغفيلد، إلينوي، و استمرت من 21 أبريل إلى 3 مايو. اصطف رجال ونساء وأطفال، ممن عرفوا معاناة وخسائر أكثر حروب أمريكا دموية، على طول السكة، منتظرين لساعات طويلة لمشاهدة مرور القطار.

صوّر والت ويتمان رمزية موكب الجنازة في قصيدته 'عندما أزهرت أزهار الليلك آخر مرة في الفناء' - موكب الجنازة، متطفلاً بشكل غير طبيعي على الأجواء الريفية، حاملاً على متنه لينكولن، ضحية موت غير طبيعي:

فوق صدر الربيع، على امتدادالأرض، وسط المدن، وسط الأزقة وعبر الغابات القديمة، حيث أطلت زهور البنفسج مؤخراً من الأرض، كاشفة عن الحطام الرمادي، وسط العشب في الحقول على جانبي الأزقة، مارة بالعشب الذي لا نهاية له، مارة بالقمح الأصفر، ارتفعت كل حبة من كفنها في الحقول البنية الداكنة ، مار بأشجار التفاح التي هبت باللونين الأبيض والوردي في البساتين، حمل جثة إلى حيث ستستقر في القبر، سافر نعش ليلاً ونهاراً.

بأسلوب شعري، عاد القطار إلى الوراء على نفس المسار الذي سلكه لينكولن في فبراير 1861، عندما غادر إلينوي لحضور حفل تنصيبه في 4 آذار/مارس في واشنطن العاصمة. كانت سبع من الولايات الجنوبية الإحدى عشرة التي ستشكل الكونفدرالية قد انفصلت بحلول ذلك الوقت بالفعل لتشكيل جمهورية العبيد. ففي الواقع، ما كان من المؤكد أن لينكولن سيتمكن حتى من الوصول إلى البيت الأبيض في عام 1861. كان عليه ، لدخول واشنطن، أولاً عبور ولاية ماريلاند المعتمدة على العبيد، التي كان ولاؤها للاتحاد غير مؤكد. تسلل عبر بالتيمور متنكراً في 22 فبراير، ووصل إلى العاصمة في اليوم التالي، حيث وجد في انتظاره في المكتب البيضاوي برقيات من قائد الحامية الفيدرالية في قاعدة في ساوث كارولينا تسمى فورت سومتر، التي كانت تحت حصار القوات المتمردة.

بعد أربع سنوات من الحرب المتواصلة، عند عودة لينكولن عبر بالتيمور، قدّم الآلاف احترامهم، وتكررت المشاهد مع حشود أكبر في فيلادلفيا ونيويورك وبافالو وكليفلاند وعدة مدن أخرى.

كانت شيكاغو المحطة الأخيرة لقافلة الجنازات قبل دفن لينكولن في سبرينغفيلد. وقدّرت صحيفة شيكاغو تريبيون أن أربعة أخماس سكان المدينة حضروا الجنازة، من بينهم 'مواليد محليون وأجانب، بيض وسود، كبار وصغار، ذكور وإناث'. ورأت صحيفة نيويورك تايمز أن الكثيرين قدموا إلى شيكاغو من 'المدن والبلدات المجاورة، مما زاد من الحشود التي ازدحمت في كل مكان' بما في ذلك 'وفود كبيرة من واكيغان وكينوشا وميلووكي ومدن أخرى في ويسكونسن'، لدرجة أنه لا بد من وجود 250 ألف شخص حاضرين في ذلك اليوم لوداعه. لكن لينكولن كان قد ودّع مسقط رأسه قبل أربع سنوات عندما غادر سبرينغفيلد في 11 فبراير 1861:

أصدقائي، لا أحد، حتى في مثل حالتي، يُقدّر حزني على فراق هذا المكان، و ترك طيبة هؤلاء الناس، أدين لهم بكل شيء. هنا عشتُ ربع قرن، وتحولت من شاب إلى شيخ. هنا وُلد أطفالي، ودُفن أحدهم. أغادر الآن، لا أدري متى أعود، أو إن كنتُ سأعود، و أمامي مهمة أعظم من تلك التي كانت على عاتق واشنطن.

برز لينكولن، 'شهاب الغرب ' في إلينوي، كشخصية سياسية بارزة في معارضة قانون كانساس-نبراسكا لعام 1854، الذي أقرّ توسيع العبودية إلى مناطق جديدة في الغرب. ومنذ تلك اللحظة، أصبحت مسيرته المهنية جزءاً لا يتجزأ من قضية العبودية.

و عبّرت خطبه وكتاباته، مثل مناظرات لينكولن-دوغلاس عام 1858، وخطاب 'البيت المنقسم' في العام نفسه، وخطاب كوبر يونيون عام 1860 عن هذه المواقف كمبادئ ثابتة، ورفعت لينكولن إلى زعامة الحزب الجمهوري، متغلباً على خصوم أقوياء مثل السيناتور سيوارد من نيويورك والسيناتور سالمون تشيس من أوهايو.

كانت معارضة لينكولن الشخصية للعبودية معروفة. إذ نُظر إليه من قِبل الأصدقاء والأعداء على حد سواء على أنه سياسي معارض للعبودية، على الرغم من أنه لم يكن من دعاة إلغاء الرق. و صرّح لينكولن قائلاً: 'كما أنني لا أريد أن أكون عبداً، كذلك لا أريد أن أكون سيداً. هذا يُعبّر عن فكرتي عن الديمقراطية'. أو كما قال في مناظرته مع منافسه اللدود، سيناتور إلينوي ستيفن دوغلاس:

إنه الصراع الأبدي بين هذين المبدأين، الصواب والخطأ، في جميع أنحاء العالم. إنهما المبدآن اللذان وقفا وجهاً لوجه منذ بداية الزمان؛ وسيستمران في الصراع إلى الأبد. الأول هو الحق المشترك للبشرية، والآخر هو الحق الإلهي للملوك. إنه المبدأ نفسه مهما كان شكله. إنه نفس الروح التي تقول: 'أنت تتعب وتعمل وتكسب خبزك، وأنا آكله'. أياً كان شكله، سواء صدر عن ملك يسعى إلى بسط سلطانه على شعبه والعيش من ثمار عملهم، أو من عرق بشري كاعتذار عن استعباد عرق آخر، فهو المبدأ الاستبدادي نفسه.

ومع ذلك، فاز الحزب الجمهوري في انتخابات عام 1860 على أساس برنامج وعد بعدم إلغاء العبودية حيثما كانت قائمة؛ بل حظرها فقط في المناطق الجديدة. وعلى الرغم من رفض النخبة الجنوبية العنيف لهذا الموقف، متمثلاً في الانفصال والحرب، خاضت إدارة لينكولن الحرب الأهلية عامي 1861 و1862 كنضال من أجل العودة إلى الوضع السابق.

كان تبني لينكولن البطيء لتحرير العبيد في زمن الحرب قائماً إلى حد كبير على كسب دعم الاتحاديين في الجنوب، وعلى الاحتفاظ بولايات العبيد الحدودية، ميسوري وكنتاكي وميريلاند وديلاوير. وهكذا، ناشد لينكولن في خطاب تنصيبه الأول، الحفاظ على الاتحاد، مُعلناً: 'لسنا أعداءً، بل أصدقاء. يجب ألا نكون أعداءً. حتى لو توترت مشاعرنا، يجب ألا تقطع أواصر المودة بيننا. إن أوتار الذاكرة الغامضة... ستُعزز نبض الاتحاد، عندما تُلامسها، كما سيحدث بالتأكيد، مع قوى الطبيعة الإيجابية.'

جسّدت خطابات لينكولن في زمن الحرب تطور فكره ومنظوره. و أثبت مسار الحرب لنكولن، كما قال لاحقاً، أنه 'يجب علينا تحرير العبيد وإلا سنُخضع أنفسنا.'

وأصدر في أغسطس 1863، أصدر رسالة مفتوحة تحدى فيها عنصرية الناخبين الذين عارضوا تجنيد السود، وهو ما أقره إعلان تحرير العبيد. طلب ​​لينكولن قراءة الرسالة بصوت عالٍ، 'ببطء شديد' في فعالية عامة في سبرينغفيلد، إلينوي:

لأكون صريحاً، أنت غير راضٍ عني بشأن الزنوج. من المرجح أن يكون هناك اختلاف في الرأي بيني وبينك حول هذا الموضوع. أتمنى حقاً أن يكون جميع الرجال أحراراً، في حين أفترض أنك لا ترغب في ذلك... تقول إنك لن تقاتل لتحرير الزنوج. يبدو أن بعضهم مستعد للقتال من أجلك؛ ولكن لا يهم. قاتلوا إذن، فقط لإنقاذ الاتحاد. أصدرتُ الإعلان عمداً لمساعدتكم في إنقاذ الاتحاد... لا يبدو السلام بعيداً كما كان. آمل أن يأتي قريباً، وأن يأتي ليبقى؛ وأن يأتي بحيث يستحق الحفاظ عليه في كل العصور المستقبلية. سيثبت حينها أنه، بين الرجال الأحرار، لا يمكن أن يكون هناك استئناف ناجح من الاقتراع إلى الرصاصة؛ وأن أولئك الذين يلجؤون إلى هذا الاستئناف سيخسرون قضيتهم بالتأكيد، ويدفعون الثمن. ثم، سيكون هناك بعض السود الذين يتذكرون أنهم، بألسنتهم الصامتة، وأسنانهم المشدودة، ونظرهم الثابت، وحرابهم المتقنة، ساعدوا البشرية على بلوغ هذا الإنجاز العظيم؛ بينما أخشى أن يكون هناك بعض البيض، غير قادرين على نسيان أنهم، بقلوبهم الخبيثة، وكلامهم المخادع، سعوا جاهدين لعرقلة ذلك.

جون ميتشام. وكان هناك نور: أبراهام لينكولن والنضال الأمريكي (ص 428). طبعة كيندل.

بحلول ذلك الوقت، كان لينكولن قد أيد استنتاج فريدريك دوغلاس القائل بأن 'يجب مواجهةالحرب من أجل تدمير الحرية بحرب من أجل تدمير العبودية'، محولاً الحرب الأهلية من صراع من أجل الاتحاد إلى حرب ثورية من أجل إلغاء العبودية، مثلت أكبر عملية استيلاء على الممتلكات الخاصة في التاريخ قبل الثورة الروسية. في الواقع، اكتسبت رؤية لينكولن للنضال طابعاً عالمياً تجاوز الأحداث الأمريكية. كان هدفه الأسمى تحقيق وعد إعلان الاستقلال بالمساواة بين البشر، وضمان 'عدم زوال حكومة الشعب، من قبل الشعب، ولأجل الشعب، من على وجه الأرض'، كما ذكر في خطاب جيتيسبيرغ في نوفمبر 1863.

في خطاب تنصيبه الثاني، قدّم لينكولن الحرب الأهلية كعقابٍ لا مفر منه على جريمة العبودية، وشكلٍ من أشكال القصاص التاريخي الذي فُرض على الشعب بأكمله، جنوباً وشمالاً: 'نأمل بصدق، وندعو بحرارة، أن يزول هذا البلاء العظيم سريعاً'، قال. 'ومع ذلك، إن شاء الله أن يستمر حتى تُهدر كل الثروة التي جمعها العبيد خلال مئتين وخمسين عاماً من العمل غير المُجزى، وحتى تُدفع تبعات كل قطرة دم سُفكت بالسوط بأخرى سُفكت بالسيف، كما قيل قبل ثلاثة آلاف عام، فلا يزال يجب أن يُقال: 'إن أحكام الرب حقٌّ وعادلة تماماً'.

أُلقيت هذه الكلمات النبوئية، التي تُذكّر بإيقاع وجبرية نسخة الملك جيمس من الكتاب المقدس، التي حفظ لينكولن يحفظ مقاطعها عن ظهر قلب أ قبل 41 يوماً من مصرعه.

وبعد خمسة أيام فقط من استسلام الجنرال لي وبقايا جيوشه الكونفدرالية لجنرال غرانت في أبوماتوكس، وبعد أربع سنوات وثلاثة أيام بالضبط من الهجوم على حصن سومتر الذي بدأ الحرب الأهلية، كان مقتل لينكولن، رمزياً، الفعل الأخير في المذبحة التي أودت بحياة نحو 700 ألف أمريكي، وجعلت 4 ملايين عبد 'أحراراً من الآن فصاعداً وإلى الأبد'، وأمنت للولايات المتحدة 'ميلاد جديد للحرية'.

رسّخت، هذه الأحداث، عظمة لينكولن. وقد وصفه ويتمان لاحقاً بأنه 'أعظم شخصية في مسرح القرن التاسع عشر الحافل بالأحداث'. ووافق تولستوي على ذلك، واصفاً لينكولن بأنه 'العملاق الحقيقي الوحيد في القرن'. كان هناك أبطال آخرون، لكن لم يُضاهِ أحدٌ لينكولن 'في عمق المشاعر وفي القوة الأخلاقية المُحددة'، كما قال الروائي الروسي. ووصف فيكتور هوغو اغتيال لينكولن بأنه 'كارثة على البشرية... لقد كان ضمير أمريكا المُتجسد'.

لا بد من أن يُعالج التفكير في اغتيال لينكولن سؤالاً لا يُطرح إلا على قلة من الشخصيات التاريخية 'العظيمة': ما الذي يُثير، حتى يومنا هذا، شعوراً بالخسارة في حدث وقع قبل 160 عاما؟

قد يُشير ما تركه اغتيال لينكولن دون إجابة إلى الأبد إلى إجابة جزئية. من المُغري الاعتقاد بأن لينكولن ربما ساهم في ضمان دولة أكثر مساواة خلال وبعد فترة إعادة الإعمار، وهو الاسم الذي أُطلق على فترة ما بعد الحرب الأهلية.

ومع ذلك، بلغت الثورة الديمقراطية ذروتها مع القضاء على العبودية في الحرب الأهلية، بينما كان لينكولن لا يزال على قيد الحياة، وفي أعقاب اغتياله مباشرةً. بقيادة ثاديوس ستيفنز، نبذ الجمهوريون الراديكاليون أندرو جونسون الخائن، وكادوا أن يُدينوه ويُعزلونه من منصبه، ومهدوا الطريق لإقرار التعديلين الرابع عشر والخامس عشر، وفرضوا احتلالاً عسكرياً على للجنوب بقيادة الجنرال غرانت للقضاء على جماعة كو كلوكس كلان.

على الرغم من اتساع نطاق هذه الإجراءات، إلا أنها لم تُعالج المسألة الاجتماعية الجوهرية التي طرحتها الحرب الأهلية: ماذا سيحل بأربعة ملايين شخص خرجوا من العبودية بلا ممتلكات خاصة بهم، وبلا أي شيء سوى قوة عملهم للبيع؟ أثارت دعوات إعادة تقسيم أراضي الأوليغارشية الجنوبية، التي دافع عنها ستيفنز، تساؤلات حول حرمة الملكية الخاصة، ورفضتها أغلبية حزب لينكولن الجمهوري، الذي أنجز مهمته التاريخية المحورية في الحفاظ على الاتحاد والقضاء على العبودية. كانت هناك نزعات 'تسوية' بين الجمهوريين، لكنه ما كان حزباً اشتراكياً، وما كان من الوارد أن يكون ذلك.

ما تحقق قط المفهوم السائد بأنه لو تم القضاء على العبودية، لكان الجنوب عاد إلى صورة 'العمالة الحرة' التي سادت قبل الحرب الأهلية في الشمال، بسكانه الغفيرين من صغار المزارعين وأصحاب المتاجر والحرفيين. استمرت زراعة المحاصيل المخصصة للبيع من القطن والسكر والتبغ، لكن نقص المال في الجنوب ضمن تطوير نظام امتياز المحاصيل المعروف باسم نظام المزارعة، الذي ما اقتصر على العبيد المحررين فحسب، بل امتد إلى البيض الفقراء في الجنوب. أُقيم نظام الفصل العنصري جيم كرو ببطء من قبل الطبقة الحاكمة الجنوبية، التي عملت من خلال الحزب الديمقراطي، لمنع أي تهديد ثوري من الأسفل. و لاحظ مارتن لوثر كينغ الابن لاحقاً: 'ما نشأ الفصل العنصري كأسلوب حياة نتيجة طبيعية للكراهية بين الأعراق، بل كان في الحقيقة حيلة سياسية استخدمتها مصالح فئة الأثرياء الناشئة في الجنوب لإبقاء الجماهير الجنوبية منقسمة، وجعل العمالة الجنوبية الأرخص في البلاد'.

لفهم هذه النتيجة، يجب توسيع نطاق التركيز من الجنوب. ما اقتصرت الحرب الأهلية على إلغاء العبودية فحسب، بل كانت أيضاً بمنزلة القابلة لنظام اجتماعي صناعي جديد في الشمال. ففي نصف القرن الذي فصل الحرب الأهلية عن الحرب العالمية الأولى، قفزت الولايات المتحدة من دولة زراعية بأغلبية ساحقة إلى أعظم قوة صناعية في العالم.

أسدلت الحرب الستار على الفصل الأول من التاريخ الأمريكي، الذي كانت فيه العبودية الشخصية المحورية فيه. كما رفعت الستار على مجموعة جديدة من الشخصيات، من الرأسماليين اللصوص والعمال الصناعيين. هذا ما تنبأ به ماركس. فكما أن 'حرب الاستقلال الأمريكية بدأت حقبة جديدة من صعود الطبقة المتوسطة'، كتب ماركس إلى لينكولن مهنئاً بإعادة انتخابه عام 1864، 'ستفعل حرب مناهضة العبودية الأمريكية ذلك للطبقات العاملة'. أُعلن عن بروز الطبقة العاملة الأمريكية بكامل قوتها مع الانتفاضة الكبرى لعمال السكك الحديدية والإضرابات العامة التي اجتاحت الساحل الغربي عام 1877. وليس من قبيل المصادفة أن هذا هو العام نفسه الذي أنهى فيه الجمهوريون إعادة الإعمار في الجنوب، بعد أن أبرموا صفقة دنيئة مع النخبة الجنوبية في أعقاب الانتخابات الرئاسية التي تنفس فيها هايز وتيلدن عام 1876.

مع تقدمها ضد العمال في الداخل وعلى مسار الحرب الإمبريالية في الخارج، وجدت الطبقة الحاكمة الأمريكية في فكر لينكولن شيئاً يجب تحييده من خلال الاستدعاءات الطقسية والجوفاء التي سعت إلى تحويله إلى رمز غير مؤذٍ للوطنية والتحسين الذاتي الرأسمالي. ومن الغريب أن أكثر من انخدع بهذه الأسطورة كانوا منذ فترة طويلة متطرفي الطبقة المتوسطة الساخطين والمريرين في أمريكا والقوميين السود.

ومن الجدير بالذكر أنه قبل خمس سنوات، اضطر موقع الاشتراكية العالمية للدفاع عن لينكولن إلى جانب جيفرسون أعظم رسول للديمقراطية الأمريكية، ضد جهود صحيفة نيويورك تايمز ومشروعها الرائد 1619 لتصويره على أنه عنصري عادي لا يهتم كثيرًا بالعبودية وكان مناهضًا للسود. وكما هو متوقع، وجدت صحيفة التايمز الكثير من الدعم بين الأكاديميين 'اليساريين' المزيفين والاشتراكيين المزعومين. هذا، حتى في مواجهة التهديد الوجودي الذي شكله بوضوح ظهور الفاشية حول دونالد ترامب!

لكن هذه الجهود لتشويه سمعة لينكولن عجزت عن كسب أرضية كبيرة في كسر قبضته على مشاعر الطبقة العاملة، من السود والبيض والمهاجرين، وعن في محو ذكرى قيادته للثورة الأمريكية الثانية.

يشير هذا إلى الطبيعة العميقة لمأساة 14 أبريل 1865، ليس ما كان يمكن أن يكون، ولكن ما لم يعد من الممكن أن يكون. كان لينكولن نتاج عصره، 'شخصية فريدة في سجلات التاريخ'، كما قال ماركس.

دونالد ترامب بدوره نتاج عصره. إنه يجسد الرأسمالية الأمريكية في انحدارها النهائي، بكل ما فيه من عصابات وجشع مقيت وكراهيته الصارخة للديمقراطية وغبائه المطلق. ابن الامتياز، نتاج عالم مافيا العقارات في نيويورك، يمكن تلخيص 'البرنامج السياسي' لترامب في كلمة واحدة: سرقة العمال في الولايات المتحدة والعالم أجمع، التي سيتم تحقيقها من خلال الحرب الإمبريالية في الخارج وإلغاء إنجازات الثورتين الأمريكيتين الأوليين.

من ناحية أخرى، جسّد لينكولن، الكثير مما كان 'عظيماً وجيداً' في الجمهورية الأمريكية الفتية، وفي المقام الأول ، فكرة المساواة التي أرست قواعدها هاتان الثورتان اللتان ما فصل بينهما سوى 'سبعين عاماً'. ففي أمريكا فقط، على ما يبدو، كان بإمكان فتى نشأ في فقر مدقع، بعد عام واحد من التعليم الرسمي وابن مزارع شبه أمي، أن ينهض لقيادة حرب ثورية للقضاء على العبودية.

وكما قال ماركس في رسالته إلى لينكولن عام 1864، فإن عمال العالم يعتبرون

أن من نصيب أبراهام لينكولن، الابن المخلص للطبقة العاملة، أن يقود بلاده في هذا الكفاح الذي لا يُضاهى لإنقاذ عرق مقيد وإعادة بناء عالم اجتماعي.

Related works available in English from Mehring Books:

Richard Carwardine, Lincoln: A Life of Purpose and Power

James McPherson, Battle Cry of Freedom: The Civil War Era

James Oakes, Freedom National: The Destruction of Slavery in the United States, 1861-1865

James Oakes, The Crooked Path to Abolition: Abraham Lincoln and the Antislavery Constitution

Loading